¤ô§ô¤*~المغازل الاسكندرانى~*¤ô§ô¤
¤ô§ô¤*~المغازل الاسكندرانى~*¤ô§ô¤
¤ô§ô¤*~المغازل الاسكندرانى~*¤ô§ô¤
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

¤ô§ô¤*~المغازل الاسكندرانى~*¤ô§ô¤

اهداء لحبيبى ((( fofo )))
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الجاسوسة الأردنية أمينة المفتي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حبيبه الفنان
المديره العامه
المديره العامه
حبيبه الفنان


عدد المساهمات : 321
تاريخ التسجيل : 22/10/2009
العمر : 33
المدينه /البلد : قلب حبيبي عمرو

الجاسوسة الأردنية أمينة المفتي Empty
مُساهمةموضوع: الجاسوسة الأردنية أمينة المفتي   الجاسوسة الأردنية أمينة المفتي Icon_minitimeالسبت أكتوبر 31, 2009 9:42 am

الحلقة الثانية.. البحث عن المستحيل
أخضع موشيه لتدريبات الاستطلاع الجوي، بعدما تقلد رتبة رائد طيار في سلاح الجو الاسرائيلي. وفي آخر يناير 1973 طار بطائرته الـ سكاي هوك باتجاه الجبهة السورية، فأسقطته مدفعية السوريين في أول طلعة استطلاع له، واعتبر مفقوداً منذ تلك اللحظة لأن سوريا لم تعلن عن أسر الطيار الاسرائيلي كما كان يحدث، لكنها أعلنت بأن الطائرة انفجرت في الجو وقائدها بداخلها.
لم تصدق أمينة الخبر، ولأيام طويلة تصرخ صرخات هستيرية لا تتوقف. وفي عيادة "كوبات حوليم هستدروت" للأعصاب في ريشون لتسيون، احتبس صوتها، أو لنقل إن صدمة الفاجعة ألجمت لسانها فصمتت.
وقبعت خلف زجاج حجرتها تنظر الى السماء، تزوغ نظراتها أحياناً، وأحياناً أخرى تتبع العصافير في طيرانها ولهوها.
وبعد شهر ونصف تكلمت، ونطقت قائلة بأنها تشكك في البيان السوري، وبأن موشيه ما يزال حياً، متخفياً بين الحشائش والمغارات. فهوي طيار ماهر وقدراته عالية جداً.وفي منزلها - وكانت برفقتها إحدى الأخصائيات النفسيات – كانت تحدث نفسها نهاراً بصوت مسموع، وفي الليل يسمع لها أنين خافت مليء بالوجع، هو مزيج متهالك من مشاعر الحسرة والضياع.
لقد صبت جام غضبها على العرب الذين أرهقوها في الأردن، وطاردوها في النمسا، وضيعوا حلمها في الاستقرار بإسرائيل.
إنهم آفة مستقبلها المظلم الآن، وسبب نكبتها وفجيعتها في زوجها الشاعري المهذب. ولأنهم هدموا حياتها كلها، تمنت لو أنها تستطيع الانتقام، فها هي وحيدة يائسة بين أناس لا تعرفهم، بل وتجهل لغتهم العبرية وعاداتهم وطقوسهم. وعمداً تناست أنها هي التي دفعت بحياتها الى مستنقع الهاوية، عندما تزوجت من يهودي، ودفعته للهجرة الى إسرائيل خوفاً على حياتها، فقذفت به الى مصير مجهول، مماثل لمصيرها.
وقبلما يحطمها الانتظار ويعتريها الجنون، تقدمت بطلب الى السلطات المختصة للسماح لها بالسفر الى بيروت ودمشق لتقصي أخبار زوجها.
وما هي إلا أيام قليل حتى طارت بجواز سفرها الاسرائيلي الى فيينا، فالتقت بأسرة موشيه الحزينة، ومكثت بينهم عدة أيام حاولت خلالها أن تتنسم عبير الحبيب المفقود، لكنها أحست بأن عبيره أشد كثافة ووقعاً بأطراف العاصمة. وفي الشقة التي شهدت أروع ذكرياتها، أطلقت شهقات حزنها ولوعتها وحيدة تلثم المقاعد والستائر والوسائد، وتطوف بين حجراتها تنادي موشيه وتتحسس كتبه واسطواناته وأحذيته.
مجنونة تلك المرأة الملتاعة، التي لفظتها أرجوحة الثمالة الى جب الهاوية، فدوت صرخاتها تتردد في الأعماق لهفى الى الضياء والأمان، ويبث الصدى في شقوقه ألم الإنسان وظلمه لنفسه.
وبصعوبة شديدة، استطاعت سارة إقناعها بأن تغاد الشقة، وحملت أمينة حقائب حزنها وتوجهت الى المطار. وبجواز سفرها الأردني طارت على أول رحلة الى بيروت.
وشارع الحمراء – أشهر شوارع بيروت - نزلت بأحد الفنادق. وفي رحلة تجوالها تعرفت على سيدة لبنانية - أردنية الأصل - تدعى خديجة زهران، تمتلك وتدير محلاً للملابس الجاهزة، فاشترت منها ملابس بمبلغ كبير لتتقرب اليها، ودلتها خديجة على شقة صغيرة بحي عين الرمانة، انطلقت منها للبحث عن زوجها، وتسقط أخباره من الفلسطينيين ذوي الكثافة بالحي. وبعد رحلات عديدة بين بيروت ودمشق، فشلت أمينة في الوصول الى ما يطمئنها، وتأكد لديها أن موشيه قتل لا محالة. وغادرت بيروت الى فيينا تنخر بعقلها أحزان تقترب بها الى حافة الجنون، وتخنقها عبرات الأسى والغربة، والفزع.
في المصيدة
في شقتها بفيينا، أيقظها اتصال هاتفي من تل أبيب، وفي اليوم التالي استقبلت ثلاثة رجال عرفت منهم أنهم ضباط إسرائيليون، مهمتهم إنهاء إجراءات الإرث الخص بها، دون إثارة مشاكل مع أسرة زوجها أو الجهات الرسمية سواء في النمسا، أو في إسرائيل.
كان ميراثها وحدها مع التعويض يربو على النصف مليون دولار، مع الشقة الرائعة في ريشون لتسيون، وضمانات حماية وأمن فوق العادة.
لقد كان المطلوب منها أن تتعاون معهم لقاء ذلك، وتنفذ ما سيطلب منها بلا تردد. فبقياسات المخابرات، تعد أمينة المفتي كنزاً ثميناً لا يقدر بمال. فهي امراة عربية فقدت وطنها وأهلها، وتعيش في وضع نفسي سيء مليء بالخوف، ولا مأوى لها سوى في إسرائيل. لكل تلك العوامل كان لا بد من استغلالها واستقطابها، بقليل من بث الكراهية في نفسها لهؤلاء العرب الذين قتلوا زوجها وقد كان يمثل لها الأمن والحماية، وبالضرورة هي بحاجة ماسة الى الأمن والحماية من بعده.
لقد كانت رؤيتهم على صواب، فأمينة المفتي التي تحمل الجنسية الأردنية، والنمساوية والاسرائيلية، لم تكن بحاجة الى كل هذا التخطيط والتمويه لجرها الى عش الجاسوسية، والعمل لصالح الموساد ضد وطنها وشعبها.
إنها غارقة في الضعف، واليأس، والضياع. وبعدما باعت الدين والوطن فهي لا تملك أثمن منهم لتبيعه.
يقول الكاتب الأديب محمد حسين الألفي: (هناك دراسات علمية أجريت مؤخراً، كشفت عن نتائج سوف تقلب تفكيرنا رأساً على عقب، فقد ظهر أن الخيانة في الدم، بمعنى، أن الناس يولدون والخيانة في دمهم . . أحد مكونات الدم) (*).
ومنذ البداية – لم تعر أمينة المفتي للشرف انتباهاً، إذ خلعت ثوب الشرق المحتشم، واستبدلته بغلالة الغرب عن طوع ورغبة. نازفة دماء عروبتها، وعقيدتها، وعفتها. لذا لم يكن من الصعب على الضباط الثلاثة إخضاعها، مستغلين ضعفها الإنساني ووحشتها، عازفين على أوتار كراهيتها للعرب، وللفلسطينيين على وجه الخصوص. إن الجاسوسية في عرف جهزة المخابرات لا تقر بمبدأ الرحمة، ولا تستجيب بأي حال لنداءات الضمير. إنه عالم عجيب مثير، يفتقد العواطف، ولا تصنف المشاعر تحت سمائه. وفي دهاليزه المظلمة الغامضة، توجد هناك دائماً مساحة ضيقة من الطموح والجنون، وبقدر ما لدى الإنسان من رغبة محمومة في تحقيق احلامه، وتوهماته، تعميه الحقيقة المرة أحياناً عن معالم الطريق ويتحول لمخلوق مبصر يتحسس الخطى دونما توقع لنواميس القدر.
فالنفس البشرية ما تزال تمثل لغزاً محيراً عجزت العقول عن تفسير بعض جوانبه، ولذلك، لا نندهش أمام تقلبات البشر، وجنوح العقول، وانحرافات الأمزجة والسلوك. تلك هي النفس البشرية ، لغز الألغاز، سرها لا يعلمه إلا خالقها سبحانه وتعالى.
هكذا سقطت أمينة المفتي في مصيدة الجاسوسية، وأسلمت قيادها للضباط الثلاثة، الذين أقاموا لها دورة تدريبية مكثفة استغرقت شهراً وأربعة أيام في شقتها بفيينا، تعلمت أثناءها أساليب التجسس المختلفة من تصوير، وتشفير، وتلقط الأخبار، وكيفية الالتزام بالحس الأمني، والتمييز بين الأسلحة.
دربوها أيضاً على كيفية تحميض الأفلام، والهرب من المراقبة، واستخدام المسدس. واستقدموا لها من إسرائيل خبيراً في تقوية الذاكرة، وتخزين المعلومات والأرقام دون نسيانها. فكانوا يعرضون عليها مشهداً من فيلم سينمائي، ويطلبون منها الإجابة:
- كم طبقاً كان على المائدة؟ ما لون ستائر الشباك؟ كم لمبة بالنجفة؟ كم عدد درجات السلم؟
أجادت آني داود دورتها الأولى في التجسس، وأصبحت أكثر إصراراً على الانتقام والتحدي، وعمل المستحيل للثأر لزوجها الذي فقد بالقرب من الجولان – والجنوب اللبناني، إنها تريد تأكيد حبها لموشيه، من خلال حبها للعمل مع إسرائيل ضد العرب. ولم تعد تزعجها كثيراً هلاوس الليل عندما تحلم به يسعى في الجبال ممزق الثياب، كث اللحية، غائز العينين، يناديها أن تنقذه. وكثيراً ما ترى جسده ممزقاً في قطع صغيرة، تلتهمها فئران الخلاء.
وغادرت فيينا الى بيروت هذه المرة . . لا للبحث عن زوجها، وإنما للانتقام له، مهمتها المحددة تقصي أخبار رجال المنظمات الفلسطينية، ورجال المقاومة الذين يؤرقون أمن إسرائيل، ويحيلون ليلها الى نهار لشدة القصف . . والتفجيرات الفدائية.
كانت أيضاً مكلفة بالتحري عن مراكز إقامة قادة المقاومة، والطرق التي يسلكها الفدائيون للتسلل الى الأرض المحتلة، أيضاً - التغلغل داخلهم لمعرفة أعداد الفدائيين، وتدريبهم، وتسليحهم. ومدى مهارتهم في التخفي والمناورة، ومخازن الأسلحة والإعاشة.
وليمة فسق
وفي بيروت، استأجرت شقة بإحدى بنايات الروشة، أجمل مناطق بيروت، حيث ترى الشاطئ المتعرج برماله البيضاء التي يتقاذفها البحر على ضفاف اليابسة، وهو المشهد الذي وصفه الشاعر الفرنسي "لامارتين" بقوله: إن الطبيعة هنا . . بل كل شيء حولي أسمى من الخيال. لقد حلمت بجنة عدن . . لا . . بل لقد رأيتها". من شرفة شقتها كان أمامها البحر اللانهائي، وبقعتان من الصخور القاسية، هما صخور الروشة الشهيرة التي تكسر تلك اللوحة الناعمة وتزيدها جمالاً. وعلى بعد خطوات منها يقع مقهى الدولشي فيتا أشهر مقاهي بيروت، حيث المكان المفضل للفنانيين والمثقفين والجواسيس والسياح. كان الشيء الوحيد الذي يضايقها، هو انقطاع الحرارة عن التليفون. لذلك . . زارت صديقتها الأردنية خديجة زهران، وطلبت منها المساعدة. في الحال اتصلت خديجة بمانويل عساف موظف التليفونات، الذي ذهب بنفسه الى أمينة في اليوم التالي، ليؤكد لها أن المنطقة تعاني من بعض الأعطال بسبب تجديدات بالشبكة، ووعدها بأنه سيسعى في القريب للتوصل الى حل. منحته خمسين ليرة ليهتم بالأمر، ولكي لا ينسى . . منحته جسدها أيضاً. إذ وجدت فيه صيداً سهلاً تستطيع من خلاله التوصل لتليفونات وعناوين القادة الفلسطينيين. لم تندم عندما باعت الدين والوطن والأهل. فلم تجد غضاضة وهي تبيع نفسها لمانويل، الذي خر مستسلماً أمام امرأة شابة بعينيها نداءات جوع، تفوح من جسدها رائحة الأنوثة والرغبة؟ لقد شلت إرادته وأذهبت بعريها عقله، وحاصرته فلم يعد يملك حيلة للفرار. وأقبل عليها في شراهة ونهم، باعتقاده أنه أوقع بامرأة ظمأى. . بينما تصرفت هي كجاسوسة محترفة، بين أحضانه بدت في أقصى حالات الضعف، لكنها كانت أبعد ما تكون عن الإحساس بالمتعة. هكذا تفعل النساء في عالم المخابرات والجاسوسية . . فالجنس عندهن وسيلة فقط لا هدف.

صدمت أمينة بشدة عندما تبين لها أن مانويل لا يملك ما تريده، فهو مجرد موظف صغير لا يملك قراراً. فلم يتملكها الإحساس بالندم أو الحسرة، بل أقنعت نفسها بأنها فشلت في تجربة أولى . . وحتماً ستنجح في مرات مقبلة. حاول مانويل عساف الوفاء بوعده لتتوطد علاقته بالمرأة النارية، فلم يستطع لأن رئيسه في العمل – مارون الحايك – بيده كل شيء . لذلك . . صارحه بما حدث، واصطحبه الى شقة أمينة داود المفتي. كان مارون الحايك متعدد العلاقات النسائية، يسعى خلف نزواته ومغامراته، منشغل بالتجسس على المحادثات التليفونية بين نساء المدينة، تستهويه لعبة المطاردة والبحث عن صيد جديد. وبغريزة الأنثى التي لا تخيب، أيقنت أمينة ما بنفسه، واثقة من كنز معلوماته عن الزعماء الفلسطينيين في بيروت. لذلك تركته بتناول معها وليمة فسق أتخمته، وأحاطت عقله بسياج من غباء. وبينما الجسد المنهد ساكناً . . أجاب عن أسئلتها . . وأطلعها – بعد عدة ولائم – على التليفونات السرية للمنظمات الفلسطينية، ولزعماء الجبهات وعناوين إقامتهم بحي الريحانة الشهير. وبواسطة صندوق بريد ميت، صبت أمينة كل ما تفوه به مارون في خطاب من عدة صفحات، تسلمه عملاء الموساد في بيروت. لتجيئها الأوامر بعد ذلك بالتحرك دون انتظار. فالمطلوب منها هو الحصول على القوائم السرية لرجال المخابرات الفلسطينية "رصد" في أوروبا وصفاتهم. ولن يتاح لها ذلك إلا من خلال مكتب منظمة التحرير الفلسطينية – مكتب ياسر عرفات شخصياً، أو مكتب رئيس جهاز المخابرات علي حسن سلامة المطارد في كل مكان في العالم، والذي أطلقت عليه جولدا مائير لقب "الأمير الأحمر"، لأنه بطل عملية ميونيخ التي قتل فيها أحد عشر إسرائيلياً.

يتبع . . .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيبه الفنان
المديره العامه
المديره العامه
حبيبه الفنان


عدد المساهمات : 321
تاريخ التسجيل : 22/10/2009
العمر : 33
المدينه /البلد : قلب حبيبي عمرو

الجاسوسة الأردنية أمينة المفتي Empty
مُساهمةموضوع: الجاسوسة الأردنية أمينة المفتي   الجاسوسة الأردنية أمينة المفتي Icon_minitimeالأحد نوفمبر 01, 2009 3:11 pm

الجزء االثاني. . الحلقة الأولى
الأمير الأحمر
كانت الحياة ببيروت في ذلك الوقت يونيو 1973 لها مذاق رائع. تماماً كالأطعمة المتنوعة من كل أنحاء الدنيا . ومع عطلة نهاية الأسبوع . . تزهو أجمل فتيات لبنان داخل الفنادق والأندية، يرتدين البكيني اللاصق، ويتلوين بتدله تحت أشعة الشمس حول حمامات السباحة، أو يلعبن الجولف والتنس، ويرقصن الديسكو ويشتركن في مسابقات الجمال. وسط جو كهذا يموج بالمرح والحسن والشباب، اعتاد علي حسن سلامة أن يعيش بعض أوقاته، يرافقه أحياناً فتحي عرفات "شقيق ياسر عرفات" رئيس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. ولما اختيرت جورجينا رزق ملكة جمال الكون، اختطفها سلامة وتزوجا في حدث أكثر من رائع، مما جعله مطاردا دائماً من فتيات لبنان. لكنه كان مشبعاً بكل جمال الدنيا بين يديه. ولأن المخابرات الاسرائيلية كانت تجهل صورته او ملامحه، وفشلت كثيراً في اقتفاء أثره لاغتياله، خاصة بعد عملية ميونيخ بالذات، فقد كان المطلوب من أمينة المفتي التسلل الى مخبئه، والحصول على قوائم بأسماء قيادات وعملاء المخابرات الفلسطينية في أوروبا. فقد كان علي حسن سلامة - الأمير الأحمر - كما أطلقت عليه جولدا مائير، أحد مساعدي عرفات والمختص بحراسته، ثم أوكل اليه عرفات مباشرة بمهمة جديدة، وهي رئيس الأمن والمخابرات التابعة لمنظمة فتح وقوات الحرس الداخلي - التي يطلق عليها القوة 17 - وهي القوة التي أطلق عليها عرفات اسم "المنتمين الى قيصر روما القديمة". والحصول عى القوائم السرية للقيادات الفلسطينية والأعضاء البارزين في المنظمات في أوروبا، أمر هام جداً ومطلوب لتفكيك أوصال القيادة في بيروت، وعزلها عن الآخرين في كل قارات العالم. وفي هذا إجابة عن سؤال: لماذا السطو على أوراقه بدلاً من اغتياله؟
هكذا كانت مهمة أمينة المفتي في بيروت . . مهمة حساسة للغاية . . لو استطاعت القيام بها فكل ميادين إسرائيل لا تكفي لوضع تماثيلها. وفي لقاء حميم بشقتها مع مارون الحايك، سألته عن عرفات وأبو إياد والغمري وغيرهم، فأجاب بأنه يعرفهم جيداً، ولأيام طويلة ظلت تمنحه جسدها، وتنفق عليه بسخاء عندما أكد لها أنه يعرف علي حسن سلامة، بل والفندق الذي يرتاده. فاصطحبته مراراً لفندق كورال بيتش "شاطئ المرجان" ليدلها عليه. لكن الأيام تمر والحايك يستمتع بجسدها وبأموالها دون أن يظهر لسلامة أثر.تملكها يأس قاتم لفشلها، وفكرت كثيراً في مغادرة بيروت الى تل أبيب تتوجها الخيبة. لكن طرأت بخيالها فكرة جديدة عملت على تنفيذها بأسرع وقت. إذ انتقلت الى شقة أخرى بكورنيش المزرعة - وهي منطقة شعبية يرتادها التجار من قاطني المخيمات الفلسطينية في بيروت. وللوهلة الأولى . . أحست بتفاؤل كبير، بعدما تعرفت على ممرضة فلسطينية تدعى شميسة، تعمل بعيادة "صامد"(*) بمخيم صبرا. فقدمتها شميسة، الى مدير العيادة، الذي أوضح لها أن العديد من الأطباء من كل دول العالم، يشاركون في علاج الفلسطينيين كمتطوعين. فعرضت عليه خدماتها التطوعية، وأطلعته على شهاداتها المزورة فطلب منها الانتظار لعدة أيام ريثما يخبر رؤساءه. هؤلاء المتطوعون في شتى المؤسسات الفلسطينية، يقابلهم ياسر عرفات، ويستعرض معهم المخيمات وملاجئ الأيتام، والمؤسسات الصحية والهلال الأحمر، وأقسام الأجهزة التعويضية والعلاج الطبيعي والمعامل المركزية وبنك الدم. من هنا . . صادفت أمينة المفتي فرصة ذهبية للامتزاج بالفلسطينيين، وبدأت مرحلة العمل التجسسي الأوسع.
رعشة اللقاء
ومساء 22 يوليو 1973 . . دق جرس التليفون بشقة أمينة المفتي. وكان على الطرف الآخر مارون الحايك، الذي اسر اليها ببضع كلمات ألجمتها، فوضعت السماعة في توتر وأسرعت تفتح التليفزيون. لقد صدمها المذيع وهو يعلن نبأ اعتقال ستة من رجال الموساد في أوسلو، بينهم امرأة، بتهمة قتل جرسون مغربي بالرصاص في ليلها مر، ظنوا أنه الفلسطيني علي حسن سلامة. وقد اعترف المعتقلون بأنهم ينتمون الى الموساد، ويشكلون فيما بينهم فريقاً للقتل اسمه K Idon - الرمح - وجاءوا خصيصاً من إسرائيل لتعقب سلامة واغتياله. ارتجت أمينة وتملكها الهلع على مصيرها. وتساءلت: لماذا يتعقبون سلامة لاغتياله. بينما طلبوا منها خلاف ذلك؟ كانت اللعبة أكبر بكثير من تفكيرها. فأمور السياسة والمخابرات تتشكل وفقاً لمعايير أخرى . . وحسابات معقدة. ولأول مرة منذ فقدت زوجها موشيه، تشعر برغبة أكيدة في الاستمتاع بالحياة . . وحاجتهات الى مذاقات النشوة التي افتقدتها. وأسرعت في اليوم التالي، برفقة مارون الى فندق الكورال بيتش، متلهفة الى الالتقاء بسلامة. ولكم أخذتها المفاجأة عندما أشار صديقها ناحية حوض السباحة قائلاً لها: أنظري . . إنه علي حسن سلامة.
كان حمام السباحة كبيراً، على شكل حدوة الحصان، يحيط به مبنى أبيض اللون مكون من ثلاثة طوابق، تطل كل غرفه الخمس والتسعين على الحمام. ويفضل سلامة هذا الفندق لأنه مؤمن جيداً ويكشف المخاطر الأمنية؛ التي قد يتعرض لها. ومن الأمور العادية أن توجد ثلاث سيارات عسكرية حول الفندق لحماية الأمير الأحمر. حيث يقوم حراسه بتأمين موقف السيارات ومداخل الفندق وحدائقه. أما في الحجرة المطلة على حمام السباحة وهي بالدور الأرضي، فيكون سلامة دائماً بمفرده، يحمل مسدسه الأتوماتيكي المحشو، ولا يتغافل عنه أبداً.
كان سلامة في ذلك الوقت في الثالثة والثلاثين من عمره، رياضي . . وسيم . . أنيق. يصادق جورجينا رزق ملكة جمال الكون. وفي فتاة عمرها واحد وعشرون عاماً، تنحدر من مؤسسة المال المسيحية في بيروت لأب لبناني وأم مجرية. انتخبت في السادسة عشرة ملكة جمال لبنان. وبعدها بعامين ملكة جمال العالم. وكانت الوحيدة من بلاد العرب التي دخلت مسابقة "ميامي بيتش". وهكذا أصبحت جورجينا رزق أشهر امرأة في العالم، يحلم بها كل الرجال. وكان الجميع يريد التعرف على الفتاة ذات الشعر الأسود الطويل، والعيون الخضراء، والفم الكبير، والجسد الأسطوري. حتى "جيمي كارتر" - حاكم ولاية جورجينا وقبل أن يصبح رئيساً . . تحققت أمنيته وظهرت صورة له مع ملكة الكون وهي ترتدي فستان السهرة الأسود العاري الأكتاف والصدر. لقد انشغلت جورجينا رزق بالفتى الوسيم مفتول العضلات ذو الجسد الرياضي الممشوق. وانشغل بها هو أيضا. وبرغم زواجهما إلا أنه لم يمانع من اختبار رجولته التي لا تقاوم مع نساء أخريات.
وها هي أمينة داود المفتي تقف أمامه . . ووجها لوجه بشكل لم يكن متوقعاً . . وحيث رتبت الموائد حول الحوض تحت المظلات الشمسية، جلست تراقب سلامة بحذر وهو يستحم، وعلى مقربة منه وقف رجلان من حراسه تنتفخ أجنابهما بالسلاح. رسمت أمينة صورته في خيالها، وداومت على زيارة الكورال بيتش مرتان أسبوعياً بشكل منتظم. وكانت كثيراً ما تلتقي بسلامة الذي اعتاد رؤيتها. . وابتسامتها.. وجمالها البسيط الهادئ. وذات مرة . . وصل سلامة الى الفندق. . واتجه الى الداخل حيث حجرته، لكنه عرج فجأة الى مائدة أمينة، وانحنى على ظهر المقعد المواجه في أدب وسألها عدة أسئلة. . ثم سحب المقعد وجلس قبالتها لأكثر من نصف الساعة تقول أمينة في مذكراتها التي نشرت بعد ذلك:
" في ذلك اليوم الحار من سبتمبر 1973، تشوقت لترطيب جسدي في حوض السباحة بكورال بيتش، وبينم كنت أرفع كوب الماء البارد الى فمي، رأيته أمامي . . إنه سلامة. سرت رعشة متدفقة بأوصالي عندما جاء الى مائدتي محيّياً. وبدأ بأن عرفني بنفسه على أنه رجل أعمال فلسطيني، ثم سألني عن نفسي. وجلس الىمائدتي بعدما اكتشف أنني طبيبة أردنية متطوعة. ومنذ ذلك اليوم لازلت أذكر رعشة اللقاء . . وحديثه الرائع الذي جذبني اليه بكل كياني ومشاعري". .
في الدولشي فيتا

وبواسطة سلامة، انفتحت أمام أمينة المفتي كل الأبواب الموصدة. إذ أصبحت محل ثقة الفلسطينيين، وعلاقاتها بالقادة طالت ياسر عرفات نفسه. لقد استعادت حيويتها وثقتها بنفسها، وانخرطت في صفوف المقاومة تضمد الجروح، وتبث فيهم الحماس والاستماتة في الكفاح. وكانت زياراتها المتعددة لمخيمات اللاجئين في الجنوب، تصحبها فيها مجموعات طبية من المتطوعين، تذكرة أمان لدخول كل المناطق المحظورة. فكانت عيونها كاميرات تلتقط الصور وتختزنها. وآذانها كانت أجهزة تسجيل متطورة، وانقلب عقلها الى آلة جبارة من القوة بحيث لا يرهقها تزاحم المعلومات . . أو رسم الخرائط بدقة متناهية . . أو حفظ مئات الأسماء والمواقع . . أو تذكر أنواع الأسلحة وأساليب التدريب. لقد أدمنت استجلاء أوضاع الفلسطينيين، مستغلة ثقتهم بها في إرسال المعلومات عنهم يوماً بيوم الى الموساد. كان المطلوب منها هو كتابة تقارير وافية، ووضعها في صندوق البريد "الميت"، أو تركها بسيفون حمام فندق الكورال بيتش. تقول أمينة في مذكراتها: (أذكر أنني في إحدى المرات . . كنت أحمل وثائق سرية وتقارير خطيرة. . وذهبت لمقابلة سلامة بالفندق. كانت حقيبتي مكتنزة بأربعة وعشرون ورقة من أوراق البلوك نوت الكبيرة، عندما فاجأني سلامة بمجيئه مبكراً قبلما أتمكن من الدخول بها الى الحمام. وكانت ورقة واحدة منها فقط، كفيلة بأن يفرغ سلامة رصاصات مسدسه في صدري. لقد كنت أجلس اليه بأعصاب من فولاذ. . وعلى مقربة مني كانت زميلتي - وتحمل وثائق سفر قبرصية - تكاد تموت هلعاً).هكذا عملت أمينة داود بحرية مطلقة في التجسس على القادة الفلسطينيين. . ورجال المقاومة . ولم تدخر وسعاً في البحث عن كل ما يهم الإسرائيليين في لبنان. لقد زارت ياسر عرفات بمكتبه ثلاث مرات، لتطلعه بنفسها على العديد من السلبيات التي واجهتها في الجنوب اللبناني، واهتم الزعيم بمقترحاتها وقد أفرد لها مساحة طويلة من الوقت للاستماع اليها. وأوصى في الحال بالتحقق مما قالته، وتلافي الأخطاء التي تعوق حركة المقاومة في الجنوب. فتقربت أمينة بذلك من الزعيم الفلسطيني، وأصبح مكتبه مفتوحاً دائماً أمامها.
وحدث أن كانت في مقهى "الدولشي فيتا"، حيث شاطئ الروشة المتعرج الخيالي، حينما توقفت فجأة أمام المقهى سيارة جيب عسكرية، وتزل منها ثلاثة رجال فلسطينيين، اتجهوا مسرعين الى حيث تجلس تشرب القهوة، وقال أحدهم بحسم: نعرف أنك هنا . . وعليك مرافقتنا الآن. !
أسقط ما في يد أمينة، ولم تقدر على الوقوف. بينما الرجال الثلاثة ترسل عيونهم سهاماً من توتر.

الحلقة الثانية
زيارة الى العبد
كانت السيارة العسكرية تخترق شوارع بيروت بسرعة مذهلة، بينما كانت أمينة المفتي متكورة الى يمين السائق، تنتفض عروقها رعباً، ويرتعد بدنها كله لهول النهاية. لم تسأل مرافقيها عن وجهتهم، أو لنقل إنها لم تجرؤ على ذلك. إذ انحصر تفكيرها في تحين الفرصة المناسبة للبحث عن كبسولة سم السيانيد، التي خبأتها بين خصلات شعرها بواسطة شريط لاصق. فحتماً سيكتشف الجنود المدججون بالسلاح ذلك عندها سيضطرون الى تكبيلها بالسلاسل الحديدية، فتضيع منها فرصة الانتحار الوحيدة. تنبهت أمينة قليلاً وتعجبت، فالسيارة عرجت بها فجأة الى طريق مخيم شاتيلا. ترى . . هل أقام الفلسطينيون معتقلات الخومة بداخل المخيمات؟
هكذا تساءلت في نفسها، وقبلما تسعفها الإجابة انطلق صوت احد الجنود من خلفها، يحث السائق على أن يزيد من سرعته، فالجرحى الذين جيء بهم من الجنوب كثيرون. وعند هذه العبارة أفاقت أمينة تماماً، سألت الجندي عن الأمر، فأجابها بأنهم ضحايا إحدى الغارات الاسرائيلية على معسكر فلسطيني بالقرب من مفرق مخيم عين الحلوة - السيروب في صيدا. ونظراً للعجز الكبير في الأطباء المتطوعين، دلهم على مكانها مكتب المخابرات "الذي يترأسه علي حسن سلامة". فاستجمعت أمينة شتات عقلها في صرخة مدوية:
غبي .. غبي.. كلكم أغبياء وتيوس أهكذا تستدعون ضيوفكم؟
وبينما ينطلق صرخها بالسباب، وبأنها ستشكوهم لعرفات شخصياً، كان الجنود يعتذرون لها . . ويلحون في ذلك أيما إلحاح. تلك الحادثة . . لم تسقط أبداً من ذاكرة أمينة. إذ زرعت لديها شعوراً قاتماً بالخوف في قدراتها التجسسية بين أناس يشكون في كل غريب وافد. لذلك، كان عليها أن تغسل الخوف الملتصق بها، وتتعاطى جرعات كبيرة من الهدوء، . . والتعلم، . . والحنكة.
وما كان يتأتى لها ذلك إلا في إسرائيل. هكذا أنهت عملها في مستشفى مخيم شاتيلا، واستأذنت في السفر الى فيينا لتسجيل اسمها لدى إحدى جمعيات الطفولة الدولية. وهناك . . في شقتها الخاوية بين الجدران الصماء والفراش البارد، اهاجتها الذكريات فضربت عمق وعيها، وأخذت تطوف بالغرف من جديد تتحسس الأرائك والأدراج وأحذية موشيه القديمة، وتقلب صفحات الألبومات تتلاحق أنفاسها في اضطراب وشجن. وبكت كثيراً بين أحضان سارة بيراد شقيقة زوجها المفقود، وسافرت معها الى حيث يقيم والدي موشيه في وستندورف، يجرعان الأسى ويعتصرهما المرار.
هناك. . تخلت أمينة عن أهم قواعد الجاسوسية، وهي السرية المطلقة، وتفاخرت أمامهم جميعاً بأنها تثأر لموشيه كل يوم من القتلة العرب، وتنتقم منهم دونما رحمة أو شفقة. قصت عليهم أيضاً الكثير من أسرار عملياتها في بيروت، وما كانت تعلم أن سارة المنخرطة في جماعات الهيبيز، تصادق شاباً فلسطينياً قتل اليهود والده، فهام يتيماً . . بائساً. . متسكعاً . . يجوب مدن أوروبا بلا هدف. . أو وطن. وبجواز سفرها الإسرائيلي، طارت أمينة الى تل أبيب تحمل جرعة هائلة من الغضب. . تدفعها بقوة لأن تستمر . . وتنطلق بكل كيانها لتثأر. . وتثأر . وفي مذكراتها عن رحلتها تلك الى فيينا قالت :اليوم - 18 سبتمبر 1973 - زرت شقتي بفيينا وأنا بطريقي لإسرائيل - كان جسدي يرتعش وأنا أصعد الدرج، وفشلت مرات في معالجة الباب. وعندما أضأت الأنوار واجهتني صورة موشيه الكبيرة باللباس العسكري. فمسحت زجاج الإطار وقبلته، وعلقت باقة من زهور البانسيه التي يحبها الى جواره. لقد خيل الي أن ابتسامته الرائعة تفيض بالعتاب . . بل هي كذلك. فتذكرت . . يا لغبائي . . كيف دفعته بنفسي الى نهايته، عندما شجعته على الهجرة لإسرائيل. حاولت أن أستعيد ابتسامته فلم أنجح. لحظتها. . ركعت على ركبتي أمامه وأشجهشت بالبكاء. ورجوته بألا يولمني أو يغضب مني، فأنا أنتقم له . . وآخذ بثأره. ولن أهدأ حتى أشهد بنفسي بحور الدم المراق تعلوها الأشلاء الممزقة. وأرى ألف زوجة عربية تبكي زوجها، وألف أم فقدت أبنها، وألف شاب بلا أطراف. عندئذ فقط . . لمحت ابتسامته وقد ارتسمت من جديد، وأحسست كما لو أن يداه كانتا تحيطان بي . . !!).يا للخائنة المحشوة حقداً، لم تكفها كل تلك الخيانات للدين والوطن، فطفقت تبحث عن المزيد والمزيد، الذي تطفئ به نيران الغضب المشتعل بعروقها. ولذلك. . كانت رحلتها الى إسرائيل، لتستمد الهدوء . . والتعلم . . والخبرة. ولكي تجيد فنون التجسس . . والانتقام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيبه الفنان
المديره العامه
المديره العامه
حبيبه الفنان


عدد المساهمات : 321
تاريخ التسجيل : 22/10/2009
العمر : 33
المدينه /البلد : قلب حبيبي عمرو

الجاسوسة الأردنية أمينة المفتي Empty
مُساهمةموضوع: الجاسوسة الأردنية أمينة المفتي   الجاسوسة الأردنية أمينة المفتي Icon_minitimeالأحد نوفمبر 01, 2009 3:17 pm

الجزء الثالث . . الحلقة الأولى
التقاء الخونة
لم يكن لها في إسرائيل من أصدقاء، سوى نفر قليل من رجال الموساد، الذين فوجئوا بها وقد علتها مسحة قاتمة من الإرهاق. طلبوا منها أن تستريح بشقتها ريثما تهدأ. وحتى لا تزيدها الوحدة أرقاً، صاحبتها طبيبة نفسية يهودية من أصل عراقي تدعى زهيرة. وفي شقتها بمدينة ريشون لتسيون (1). عملت زهيرة على تهيئتها للاندماج بالمجتمع الاسرائيلي، تمهيداً لاستقرارها النهائي، بما يعني الاكتفاء بخدماتها السابقة كعميلة في الموساد.
لقد كانت مهمة زهيرة ألا تفاتحها في أمر إنهاء خدمتها، فهي ليست منوطة بذلك. ولكن تنحصر في إذابة جدران العزلة النفسية التي تحيط بالعميلة، بدمجها شيئاً فشيئاً باليهود العرب، وخلق محيط اجتماعي موسع من حولها. لقد حدثتها صديقتها الجديدة عن المهاجرين العرب من اليهود، الذين قدموا من شتى الأقطار المجاورة، وكيف استساغوا العيش في المجتمع الجديد المتحرر، وحدثتها كذلك عن بعض المسيحيين الذين فروا الى إسرائيل طلباً للحرية والأمن. ومن بين الذين ذكرتهم، النقيب الطيار منير روفه - الكاثوليكي العراقي - الذي فر لإسرائيل بطائرته الحربية (2).
وعندما أبدت أمينة رغبتها في لقائه، عرضت زهيرة الأمر على رؤسائها فجاءتها الموافقة. وتم ترتيب اللقاء بمنزل روفة بين زوجته وأولاده.
كانت أمينة في شوق بالغ للقاء الطيار الهارب، ليس لأنه عربي بل لتسأله عما يجول بخاطرها من تساؤلات قد تفيدها معرفة إجاباتها. وبابتسامة عريضة بباب منزلهما، رحب منير وزوجته بأمينة . . وقاداها الى الداخل. كان منير روفة في ذلك الوقت في الثامنة والثلاثين من عمره، أسمر . . واسع العينين والجبهة . . غزته مقدمات الصلع. أما الزوجة مريم فكانت على مشارف العقد الرابع، طويلة. . ذات شعر انسيابي طويل، وفم واسع. . فجاء . . لها صوت خشن. كانت مظاهر الثراء بادية جداً على المنزل وأهله. وبرغم ذلك جاءت مريم بالحلوى والشاي بنفسها. ولما سألتها أمينة ممتنة على الخادمة، أجابتها المضيفة بأن المجتمع الاسرائيلي ما زال بحاجة الى تطور وينظر الى المرأة التي تجلب خادمةنظرة اتهام بالبرجوازية. لذلك فهي تقوم بمهام المنزل بنفسها. أما منير . . فقال لها إنه مر بحياة عصيبة في البداية. حيث كان يجهل العبرية وبلا عمل ولا أصدقاء. ويتابعه كظله رجلا أمن في الشارع والبيت. ثم عمل لبعض الوقت بجيش الدفاع، والآن يمتلك وكالة إعلانية كبيرة خاصة به اسمها الأضواء "الحانوكا"، وتعمل معه مريم كمديرة لمكتبه وللعلاقات العامة. ولما سألته أمينة: كيف يفشل طيار محترف في القفز إذاأصيبت طائرته في الجو؟ . . وهل الطائرة السكاي هوك الأميركية تتحول الى مقبرة لقائدها قبلما تسقط . .؟
كانت تريد إجابات محددة ومنطقية، فربما استمرت في التعلق بأمل عودة زوجها موشيه، أو بنسيان الأمر نهائياً. فضباط الموساد كانت إجاباتهم مبهمة ولا تحمل نفياً تاماً أو تأكيداً. وذلك ما يحيرها ويرهق عقلها - فأفاض منير روفة في الشروح . . وأوضح لها أن الطائرة سكاي هوك
S Ky Hawk-4h التي طار بها موشيه اعتمد تصميمها على حماية الطيار، وهي مزودة بكرسي قذف مزدوج، ويمكن إطلاقه من ارتفاع الصفر وبسرعة الصفر أيضاً - وهو كرسي قاذف من طراز دو جلاس أسكاباك A -c3 وكابينة القيادة بها مدرعة في المقدمة والمؤخرة والجانب الأيسر، وسمك التدريع حوالي 18 مم. وأكد لها على أن زوجها موشيه إما أصيبت طائرته بصاروخ "سام 6"، وفي هذه الحالة ربما يكون أسيراً لدى السوريين، أو أن صاروخاً طراز Atoll - جو / جو، أصاب به السوريين كابينة قيادته الفقاعية فانفجرت به الطائرة في الجو.

كانت إجابة روفة - الأكثر شروحاً - تعطى ذات الإجابة التي سمعتها من قبل. فلا هو أوضح نافياً او مؤكداً. وبقي السؤال كما هو: هل موشيه بيراد ما يزال حياً في قبضة السوريين؟ أم انفجرت به الطائرة في الجو؟ . . وفي الحالة الأخيرة. . لا بد أن يعثر السوريون على بعض من أشلائه . . ومن ثم يعلنوا الخبر . . وهو ما لم يحدث .!!.
الأفعى الغاضبة
عادت أمينة الى شقتها أكثر قلقاً . . وغضباً. يحفها الإصرار على الانتقام لزوجها، لكن صدمتها كانت قاسية جداً، عندما زارها مسؤول بالموساد، وبعد حديث طويل عن فدائيتها الشجاعة فاجأها بقوله:
- سيدتي - بعد هذا العناء الكبير . . يرى رؤسائي في الجهاز أنه من الواجب العمل على إراحتك . . وحمايتك. وجئت اليك لأعرض رغبتهم في الوقوف على ما تريدينه، ولأطلعك على العمل الجديد الذي ينتظرك، وهو بلا شك عمل مثير ويتناسب مع. .
قاطعته أمينة قائلة:
- أتقصد سيدي إنهاء عملي في بيروت؟
وجاء رده أكثر حسماً:
- وفي الموساد سيدتي . . وسوف تحصلين على .
لم تتركه أمينة يكمل جملته إذ انطلقت بكل الغضب الكامن بأعماقها تقول:
- لن أقبل ذلك أبداً . . فأنا ما جئت لإسرائيل هذه المرة إلا لأنني اهتززت قليلاً أمام موقف استدعائي.
ولماذا هكذا تستغنون عن خدماتي لكم بسهولة؟، بالرغم من أنني فرصة ذهبية لا يجب أن تضيعوها. فأنا جئتكم بالكثير عن أخبار المقاومة التي تهدد مستعمراتكم في الشمال، وأطلعتكم على أشياء كانت غامضة لكم، كل ذلك دون أن أقبض منكم سوى ألفي دولار.
- أرجو أن . .
- دعني أكمل من فضلك. هل تستطيع أن تؤكد لي أن أحد عملائكم جلس وتحدث مع علي حسن سلامة؟ أو أن أحدهم وصف لك مبنى قيادة المنظمة الفلسطينية من الداخل؟ أما أنا فقد دخلت لمكتب عرفات. . وألتقي بسلامة مرتين أسبوعياً. وبواسطة جسدي هذا - (رفعت عباءتها فكشفت عن عورتها حتى لقرب صدرها) - جئتكم بالتليفونات السرية لكل القادة الفلسطينيين، ليتنصت جواسيسكم هناك عليها. وخلعت ثيابي لكل كلب نتن الرائحة فينتهك جسدي لأجلب كلم الأسرار . . والوثائق . . والمعلومات . . وفي النهاية تقولون لي ببساطة: شكراً . . !!
- سيدة أمينة . . نحن ما فكرنا إلا بحمايتك . . وما كنا سنبخس عليك حقك.
كانت أمينة ترتعد حقاً . . ويهتز بدنها كله وقد امتقع لونها . . واكفهر الوجه يغشاه اصفرار وهي تقول:
- هل تستطيع أن تجيبني لماذا أنا في إسرائيل الآن؟ ألأنني لا أجد مأوى بين اهلي. أم لأنني أحببت يهودياً وتزوجته؟ . . لا أقول ذلك لأنني أحسست بـ الندم.. لا .. فأنا بعت الدنيا كلها من أجله.. بعت أهلي . . وديني.. ووطني لأكون معه. ولأنه مات .. فأنا لن أكف.. نعم.. لن أكف وهل أنا عبء ثقيل عليكم.
- الأمر ليس كما تعتقدين سيدتي . .
أردفت أمينة وصوتها كفحيح الأفعى، ينفث الغضب والكراهية كالسم:
- أبلغ رؤسائك أنني لن أتوقف أبداً، حتى ولو أدى الأمر لأن أغادر إسرائيل الى الأبد وعندها قد أفكر . . وبعيداً عنكم .. بعملية انتحارية داخل مكتب عرفات شخصياً !!

انزعج الرجل .. وأسرع الى رؤسائه ينبئهم بالأمر . . وبلهجة الصدق والإصرار والغضب في صوتها. وكان لا بد من إيجاد حل وإلا فهناك كارثة مؤكدة قد تقع بين لحظة وأخرى. ففي الحال . . صدرت الأوامر للمطار بمنع آني موشيه بيراد - أمينة المفتي - من مغادرة البلاد.
التليفون المجهول
بشارع كيريا في تل أبيب اجتمع عدد من الخبراء في مبنى الموساد، للوصول الى قرار حاسم بعودة أمينة الى بيروت من جديد، أو الاكتفاء بخدماتها وإبقائها في إسرائيل. لقد قرأوا جميعاً تقريراً وافياً عن العميلة الثائرة . . والتي صنفت من الفئة "أ" - وهذه الفئة من الجواسيس يتدرج تحتها كل من يعملون في البلاد العربية بدون أي غطاء دبلوماسي يحميهم - ووصف التقرير أمينة بأنها تعاني من اضطرابات شخصية، وتمتلك القدرة التي تمكنها من الانتقال من أحد جوانب الموقف الى جانب آخر، وهو ما يعرف في علم النفس باسم الاتجاه المجرد Abstract Attitude، وتتنامى لديها أعراض الكآبة نتيجة لومها الدائم لنفسها، باعتبار أن ما حدث لزوجها كانت هي السبب فيه، وعندما تزداد الأعراض حدة تصبح أكثر اكتئاباً وتخوفاً، مما ينمي مشاعر "الاتهام بالذات" S Elf Condemination - لديها - والمريض في هذه الحالة في يأس خطير لأنه مهموم بالماضي، ويحس أن لا أمل ألبتة في المستقبل بسبب الفعلة التي ارتكبها. هذه المشاعر القلقة المحملة باليأس والبؤس، عادة ما تعتصر المريض، وقد تقوى عنده نزوة الانتحار. وأشار التقرير الى أن حالة أمينة هذه لا ينصح فيها بعلاج العقاقير، حيث لن تنتظر التحسن طوال مدة العلاج، بقدر ما تشعر بالتحسن والهدوء في عملها بالموساد. ففي ذلك إقناع لها على أن ما تؤديه من عمل، يمثل لديها قمة الثأر لما ارتكبته بحق موشيه. وبناء عليه . . رأى فريق من خبراء الموساد أن أمينة، ربما تشعر بالزهو E Lation في عملها، فتتخلى عن حذرها وتنكشف. لكن الأغلبية رأت أنها جديرة بالعمل في بيروت، ومع حصولها على دورات تدريبية مكثفة، ستكون أكثر حذراً. . وإقبالاً . . وشغفاً. وانتهى الاجتماع بالموافقة على عودتها للبنان، وذل بعد موافقة ريفي رامير رئيس الموساد. هكذا تحدد لها أن تستمر وتواصل توغلها بين القيادات الفلسطينية، وجاءوا بها الى المبنى المركزي حيث جلس اليها أحد كبار الرسامين، ومن خلال وصفها لعلي حسن سلامة، استطاع أن يرسم صوراً تقريبية له. وتعهد بها اثنان من الضباط الخبراء، أحدهما تولى تدريبها على استعمال أحدث ما ابتكره العلم في مجال أجهزة اللاسلكي. وتقرر لها بث رسائلها مرتين أسبوعياً يومي الخميس والاثنين، وتلقي الرسائل من تل أبيب كل ثلاثاء في الحادية عشرة ودقيقتين مساء. كانت أمينة طوال فترة تدريبها المكثفة في حالة سعادة غامرة. فهي ستزداد خبرة تمكنها من إجادة عملها، وبالتالي يكون انتقامها عظيماً فتستريح نفسها ويهدأ بالها.
وفي الثالث من أكتوبر 1973 غادرت تل أبيب الى فيينا، حيث تسلم منها عميل الموساد جواز سفرها الإسرائيلي، وسلمها الجواز الأردني مع تذكرة سفر الى بيروت فجر اليوم التالي. هذه المرة. . عندما دخلت شقتها في فيينا لتمكث بها عدة ساعات، لاحظت أن ابتسامة موشيه لازالت مرتسمة كما هي. بل كانت نظراته أكثر بهجة واطمئناناً. وقبلما تغادر شقتها الى المطار بثوان.. انتفضت فجأة عندما دق جرس التليفون، وتسمرت مكانها للحظة.. ثم اتجهت صوب الكابل فنزعته.. وانطلقت في شوق للعمل .. للثأر. تحمل بين أمتعتها جهز راديو يحمل ماركة عالمية معروفة، هو بالأصل جهاز لاسلكي أكثر تطوراً ولا يمكن اكتشافه. وبحقيبة يدها كانت تحتفظ بالمصحف الشريف . . وقد نزعت عدة صفحات منه واستبدلت بصفحات أخرى تحمل الشفرة.

الحلقة الثانية
نفيه شالوم
وما إن خطت أمينة عدة خطوات بمطار بيروت الدولي، متجهة الى حيث يتحرك السير بحقائب الركاب، حتى صدمت بشدة لمشهد شاب يقتاده رجال الأمن. وبينما تتابع المشهد . . فوجئت بيد قوية تربت على كتفها من الخلف. فصدرت عنها صرخة مكتومة هلوعة، وسقطت في الحال حقيبة يدها على الأرض. وأوشكت هي على السقوط. لكنها بكل ما تملك من قوة - تماسكت .. واستدارت لتصطدم بوجه صديقها مارون الحايك، تغطي وجهه نظارته الشمسية السوداء. . وينسدل شعره اللامع لقرب كتفيه. تنفست الصعداء . . وودت لو أن تصفعه بقوة . . وتظل هكذا تصفعه حتى ينقشع الخوف الذي حل بأعماقها من جديد، وأعادها الى تلك الحالة الأولى التي غادرت بسببها بيروت الىتل أبيب. وفي بشاشة مصطنعة سألته.
- أوه . . أيها الماكر . . أكنت معي على اللوفتهانزا قادماً من فيينا . .؟

خلع نظارته مبتسماً وهو يضغط على كفها ضغطاً ذا مغزى وأجاب:
- بحثت عنك كثيراً في بيروت فلم أجدك . . وكنت أمني نفسي بأن نمضي معاً أسبوعاً خيالياً في نيقوسيا.
- نيقوسيا . .؟ نطقتها وقد كست وجهها بالدهشة.
- سألت عنك مانويل وخديجة وحارس البناية . .
ضاربة صدره بيديها وقد افتعلت التحسر:
- مجنون . . مجنون . . (!!) لماذا لم تخبرني قبلها بوقت كاف. .؟ كم كنت مشوقة لرحلة كهذه معك.
غمز بطرف عينيه ضاحكاً وقال:
- سنتدبر الأمر عما قريب أيتها الأنثى الشقية. أنظري .. ها هي حقائبي وصلت الآن.
ولأن لبنان بلد سياحي حر . . فأمور التفتيش في المطارات والمواني شكلية جداً. ولا تخضع لرقابة صارمة كما في سائر البلاد العربية، على اعتبار ان التدقيق الزائد يسيىء الى السواح .. الذين هم عماد الاقتصاد وأحد أسباب الرخاء. لذلك . . لم ينتبه رجال الجمارك لجهاز اللاسلكي المدسوس بحقيبة أمينة. فبيروت كانت في تلك الفترة في أوج انفتاحها. . وسوقاً رائجة لتجارة السلاح . . والمخدرات. . والرقيق الأبيض . . والجواسيس.
وفي الساعات الأولى من صباح 6 أكتوبر 1973، أطلقت أمينة أولى إشارات البث اللاسلكي الى تل أبيب: (آر. كيو. أر. وصلت بسلام. الأمير الأحمر في أوروبا. تعرفت بضابط فلسطيني يدعى أبو ناصر. وعدني مارون بأن يأخذني معه الى مبنى الهاتف المركزي. غادر جورج حبش الى تونس سراً. رجاله يقاتلون سبعة من رجال حواتمة. أبو عمار بالبيت مصاباً بالبرد. شحنة أدوية وصلت سراً من رومانيا للقيادة. يوجد نقص كبير في الأنتي بيوتكس. تحياتي. نفيه شالوم "واحة السلام").
استقبلت الموساد رسالة أمينة بشيء من الاطمئنان والفرح. فالرسالة كانت واضحة الشفرة بلا أخطاء. والأخبار التي حوتها هامة جداً استدعت دخولها الى غرفة التحليل والمتابعة على الفور. وسرعان ما تسلمت أمينة أول رسالة بثت اليها من إسرائيل: (تهانينا بالوصول. اهتمي بتحركات الأمير. أبو ناصر خبيث جداً فاحذريه. لا تهتمي بمارون الآن. من يطبب أبو عمار "عرفات". ماذا ببطن الباخرة كيفين في صيدا. نريد معلومات عن مخازن الأسلحة بمخيم البداوي في طرابلس. ومراكز التدريب الجديدة في قلعة شقيف).. وبينما تهيأت العميلة الاسرائيلية للتحرك . . مدفوعة بشوق جارف الى العمل. انطلقت شرارة الحرب وعبر المصريون خط بارليف المنيع، وعمت مظاهرات الفرح بيروت. وكما بكى رأفت الهجاء بكاءً مراً في إسرائيل إثر هزيمة 1967، انهارت أمينة المفتي في 1973. تناقض عجيب بين الحالين. فتلك هي النفس البشرية في اندفاع الوطنية - أو الخيانة، الحب الجارف - أو الكره المقيت.


الحية الشوهاء
نشطت أمينة المفتي في عملها التطوعي كطبيبة عربية تجوب أنحاء لبنان، وجاسوسة إسرائيلية تمد الموساد بالمعلومات الحيوية عن تحركات الفدائيين في الجنوب، الذين شحنتهم انتصارات الجيوش العربية فازدادوا استبسالاً وضراوة. وعاد علي حسن سلامة من أوروبا لترتيب خطط العمليات الجديدة. فالعدو فقد السيطرة على نفسه . . وعلى اتزانه . . والضربات القوية تترك آثارها بوضوح على وجهه المشوه.
هكذا انطلق رجال المقاومة في الجنوب اللبناني يضربون في العمق الاسرائيلي بلا كلل . . واستدعى ذلك من أمينة أن تترك بيروت الى صور. . ومعها جهاز اللاسلكي الخطير، حيث عكفت على بث رسائلها يومياً. . والتي وصلت في أحيان كثيرة الى خمس رسائل مهددة حياتها للخطر. واضطرت الموساد أمام سيل رسائلها الى فتح جهاز الاستقبال على التردد المتفق عليه، لساعات طويلة على مدار اليوم.
هكذا كانت أمينة المفتي تنتقم . وتفرغ شحنات غضبها في رسائل يومية مبثوثة قد تعرضها للانكشاف والسقوط. لكنها لم تكن تستمع لنداءات الخوف أبداً. إذ اندفعت بجرأة أكثر، وحملت جهاز اللاسلكي في جولة لها بمنطقة بنت جبيل على مسافة خمسة كيلو مترات من الحدود الإسرائيلية، هناك فوجئت ببعض زعماء الجبهات الفلسطينية، برفقة أبو إياد (1) يتفقدون جبهة القتال ويصيحون في الجنود فيثيرون حماستهم. لحظتها .. تملكها الحقد والغضب .. وبمنتهى الجرأة اختلت بنفسها داخل أحد الكهوف.. وبثت رسالة عاجلة الى الموساد . (أي. كيو. أر. عاجل جداً وهام. أبو إياد وقيادات الجبهات في بنت جبيل. موقعهم مائة وخمسون متراً شرق القبة العلوية بجوار فنطاس المياه بين شجرتي الصنوبر. اضربوا الموقع كله ودمروا السيارات الجيب والليموزين. سأكون على بعد معقول منهم. سأفتح الجهاز لأربعة دقائق. نفيه شالوم وجاءها الرد قبل ثوان من انتهاء المهلة: (ابتعدي عن الرتل وانبطحي أرضاً عند ظهور الطائرات). أغلقت أمينة الجهاز بعدما ترجمت الرسالة. واستعدت لتشهد بنفسها المجزرة. لكن يا لحظها السيء.. لقد لعب القدر لعبته وتحرك رتل السيارات باتجاه الشمال. بينما وقفت عميلة الموساد تتحسر .. وتقلب عينيها في السماء بانتظار الطائرات. خمس دقائق تمر.. عشر دقائق.. عشرون دقيقة. لم تستطع الصبر ففتحت جهاز اللاسلكي وهي تلعن الانتظار وبثت رسالتها (آر.كيو.آر. تحرك الهدف الى الشمال طريق تبنين منذ 21 دقيقة. سيارة أبو إياد سوبارو سوداء. نفيه شالوم) وما إن بثت رسالتها وأغلقت الجهاز، حتى لمحت طائرتي ميراج تطلقان صواريخ السيد وندر، والقنابل زنة الألف رطل. ورأتهما ترتفعان الى عنان السماء ثم عادتا للانقضاض من جديد وهذه المرة بفتح خزانات النابالم الحارقة. كل ذلك وهي ما تزال بالكهف ترقب تناثر الأجساد البشرية كالشظايا في الهواء، فيصدر عنها فحيحاً رهيباً كحية شوهاء، وتضحك في هستيريا مجنونة مشبعة بالحسرة والشماتة. حسرة انعتاق أبو إياد ورفاقه، وشماتة الهزيمة لبضع جنود امتزجوا بالتراب والدم والسلاح.
هكذا حملت أمينة جهاز اللاسلكي بحقيبتها في تجوالها بالجنوب اللبناني، طوال معركة أكتوبر 1973، متنقلة بين المستشفيات الميدانية والمواقع العسكرية. . تسعف الجرحى من المصابين بداء وشاياتها. . وتستمد من الحقد جرأتها وقوتها. وكانت بذلك أول جاسوس للموساد يعمل بجرأة اسطورية داخل بلد عربي. لم يفعلها إيلي كوهين الذي زرع في سوريا قبلها بسنوات قليلة، وكان مرشحاً لمنصب نائب رئيس الجمهورية السورية، برغم تجواله بين شتى الوحدات العسكرية والقواعد السرية في الجولان، وإقامته المطولة بمنطقة الجبهة، بل إنه برغم حجم الثقة في نفسه، لم يحمل أبداً جهاز اللاسلكي خارج المنزل. كان فقط يبث رسائله بشكل يومي الى الموساد. لم يفعلها أيضاً المقدم فاروق ابراهيم الفقي، الضابط المخابراتي العسكري المصري الذي جندته هبة سليم، وتسبب في تدمير كل قاعدة عسكرية جديدة كان يتم بناؤها بمنطقة القناة.
إذا كان يحتفظ بجهاز اللاسلكي بمنزله، ويبث للموساد أولاً بأول عن مواقع الصوراريخ والرادارات، والمطارات، لم تفعلها انشراح التي أنقذها السادات من الإعدام أيام كامب دايفيد، وكانت تجوب منطقة القناة مع زوجها وأولادها كل يوم بحثاً عن الجديد. كانت أمينة المفتي أجرأهم جميعاً قلباً وأعصاباً. مدفوعة برغبة مجنونة في الانتقام والثأر، لا برغبة المغامرة.
تقول أمينة في مذكراتها التي بلغت صفحاتها ستمائة صفحة:
منذ حملت معي جهاز اللاسلكي لأول مرة الى الجنوب، وشاهدت بنفسي هجوم الميراج الإسرائيلي على الموقع الفلسطيني، بغرض تدميره وتصفية أبو إياد وأعوانه، وقد تملكني إحساس رائع بعملي. . إحساس بالزهو وجدت فيه لذة كبرى تفوق كل لذة. ومنذ تلك الحادثة في 11 أكتوبر 1973، وأنا أحمل الجهاز الصغير بحقيبتي، بجواره المصحف ذي الجراب والشفرة. كنت أكتب رسالتي أولاً على ورقة منزوعة من بلوك نوت، ثم أقف بسيارتي في مكان أطمئن فيه من العابرين، وأسحب هوائي الجهاز وأقوم بالبث لدقائق. أحياناً كثيرة كنت أبث الرسالة الواحدة مرتين للتأكيد، وأحرق الورقة وأعاود القيادة الى مكان آخر. وبفضل تصريح المرور الموثق، الذي وقعه عرفات شخصياً، كنت أجوب بأمان شتى المواقع العسكرية الفلسطينية في الجنوب. وأطلع بنفسي على أنواع الأسلحة وكميات الذخائر بالمخازن، ومعسكرات التدريب السرية. لقد حالفني الحظ كثيراً عندما وثق بي القادة الفلسطينيون، لأنني كنت أبدو متحمسة جداً لقضيتهم، وحقهم في الكفاح لاسترداد الأرض المغتصبة. للدرجة التي دعت أبو إياد لأن يطلب مني إلقاء خطبة حماسية في الجنود المعسكرين بالقرب من مخيم البرج الشمالي في الجنوب من صور. يومئذ . . ألقيت خطبة رائعة . . تتدفق منها الوطنية ومعاني العروبة. لقد أجدت تماماً عندما صعّدت من انفعالي فبكيت .. بكيت وأنا أصف مشاهد القتل والقصف والانكساب على وجوه الأطفال اليتامى، بكيت حقيقة وأنا أحثهم على الانتقام والثأر والكفاح . . وما كنت أبكي إلا لفقد موشيه الحبيب . . وبرودة الحياة من حولي بدونه. والثورة المصطحبة بالغضب في أوردتي وشراييني. . ونبضي . . ضد هؤلاء الأوغاد الذين أذلوني . . وأترعوني كئوس الوحدة . . والصمت . . والعدم . كان انفعالي مثالياً، ظن الجنود والقادة أنه إيمان مني بقضيتهم . . فبكوا . . وعندما بحثت عن منديل بحقيبتي اصطدمت يدي بجهاز اللاسلكي المغلق. . !!).

يتبع . . .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الجاسوسة الأردنية أمينة المفتي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» البدء بقصة الجاسوسة(( امينة المفتى ))

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
¤ô§ô¤*~المغازل الاسكندرانى~*¤ô§ô¤ :: المغازل حول العالم :: شخصيات غيرت التاريخ-
انتقل الى: